يشهد قطاع صناعة الإعلام والترفيه تغيّراتٍ سريعة ومتنوعة ومتداخلة، خاصةً مع وجود قنوات البث المباشر ووسائل التواصل الاجتماعي النشطة على مدار اليوم، والتواجد الرقمي لمختلف الكيانات على الإنترنت. وعلى الرغم من تباين أهدافها، إلا أن القاسم المشترك بينها هو إنشاء محتوى جذّاب وتجربة مستخدم شخصية فريدة، تضمن كسب المستخدم وتلبية تطلعاته، وبالتالي استمرارية تحقيق دخل مباشر أو غير مباشر. ولهذا، أصبح الذكاء الاصطناعي دورٌ مهمٌ في إعادة رسم ملامح خدمات صناعة المحتوى الإعلامي والترفيهي، سواء في صناعة الأفلام والسينما والألعاب الإلكترونية أو التطبيقات الموسيقية ونحوها، حيث يُمكن من خلال الذكاء الاصطناعي إنشاء شخصيات افتراضية مبتكرة وذكية، تتفاعل بانسجام مع الظروف المحيطة وسلوكيات الممثلين واللاعبين، ممّا يجعل المحتوى المقدّم أكثر إثارة وتشويقاً، كما يُمكن تحسين مستوى «الجرافيكس» والمؤثرات البصرية لإضفاء المزيد من الواقعية والمتعة على الأعمال الفنية. وبالنظر إلى تطوّر الذكاء الاصطناعي، يوحي ذلك بأننا سنشهد ثورةً تحويليةً في الصناعة، وظهور المزيد من الابتكارات والتحسينات في أساليب التجارب الترفيهية، ممّا يُحتِّم على شركات صناعة الترفيه مواكبة هذا التطور وعدم التأخر في تبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي، للبقاء في صدارة المشهد. فكيف سيدخل الذكاء الاصطناعي في صناعة الترفيه؟ تضم صناعة الترفيه مجالاتٍ مختلفة كالأفلام والتلفزيون والموسيقى وألعاب الفيديو والعروض المسرحية، وفي كل مجالٍ منها يأتي الذكاء الاصطناعي ليلبّي متطلباته ويعالج تحديّاته المختلفة، إما من حيث إضفاء الواقعية والتأثيرات البصرية وتحسين مستوى التفاعل، أو في تسريع عمليات الصناعة وكفاءة الإنتاج، أو في أتمتة بعض العمليات، أو في تحليل الجمهور وتخصيص تجربة المستخدم، أو في تطوير استراتيجيات التسويق والترويج، للوصول إلى الجمهور المناسب وتحسين العائد الإجمالي للاستثمار.

تهدف تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى تغيير الكيفية التي يُنتَج بها المحتوى الترفيهي ويستهلك، وتطوير أساليب تقديم التجربة الترفيهية. مما يفتح فرصاً كبيرةً للابتكار، وتوفير تجارب ترفيهية فريدة ومختلفة للجمهور حول العالم. وتستند تطبيقات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في صناعة الترفيه على العديد من التقنيات والأدوات، منها: 1- تعلّم الآلة والتعلّم العميق: تستخدم تقنيات تعلم الآلة لتدريب الأنظمة على فهم المحتوى واستنتاج السياق والتوصل إلى نتائج دقيقة؛ فتُستخدم في توليد حوارات مع الشخصيات الافتراضية، وتحليل نمط الأداء، واستخلاص المزيد من الجوانب الإبداعية، وتحسين البصمة الفنية للعروض والمسلسلات. وتستفيد شركات صناعة المحتوى الترفيهي من هذه التقنية في تحسين شبكات توصيل محتواها، مما يضمن تسليم المحتوى للمستهلكين بسرعةٍ ودون انقطاع. 2- تجزئة البيانات والتصنيف: يُستخدم الذكاء الاصطناعي في دراسة البيانات للحصول على فهمٍ أعمق حول ميول المستهلكين، وتصنيف المحتوى وفقاً لاهتماماتهم الشخصية، ووفقاً لذلك تتطور أنظمة التوصية في تقديم محتوى ترفيهي مخصص لكل شخص؛ مما يعزز تجربة المستخدم ويرفع من مستوى الانخراط. كما تُستخدم هذه التقنية في تطوير التطبيقات الموسيقية، حيث تتيح للمستخدمين اكتشاف الموسيقى التي تتناسب مع أذواقهم واهتماماتهم، بناءً على تاريخ استماعهم السابق وتوصيات مخصصة. كذلك إنشاء محتوى متخصص والتوصية به للمستخدمين، أو تحليل المحتوى الذي ينشئه المستخدم وتحديد النتائج المحتملة القابلة للانتشار. 3- معالجة اللغة الطبيعية: تعمل تقنيات معالجة اللغة الطبيعية على تحليل وفهم النصوص والقصص والحوارات الموجودة في الأفلام والألعاب والبرامج الترفيهية، وتحويل تلك النصوص للعمل عليها في تحسين جودة السيناريوهات. ويُستفاد من هذه التقنية كذلك في تحسين التسويق والإعلان، من خلال معالجة البيانات المتعلقة بتعليقات المستهلك وتفضيلاته وتقييماته؛ مما يساعد الشركات على إنشاء حملات تسويقية أكثر استهدافاً وتخصيصاً. 4- الأتمتة: يمكن من خلال الذكاء الاصطناعي إسناد المهام إلى الحواسيب لتشغيلها تلقائياً، مما يُقلل التعقيد الملازم لعملية إنتاج الأفلام مثل: كتابة السيناريو، واستكشاف الموقع، وإنشاء قوائم اللقطات، وإعداد الميزانية، والتسجيل، والجدولة، والتحرير. كما يُمكن أتمتة مهام إنتاج الصوت وعملية الترجمة ومزامنتها؛ مما يفتح فرصاً كبيرة من حيث إمكانية الترجمة للغاتٍ كثيرة جداً، واختصار آلاف ساعات العمل بكفاءة أكبر. 5- الواقع الافتراضي والواقع المعزز: وهي أحد التقنيات الداخلة بقوة إلى صناعة الترفيه الذكي، حيث تستخدم التأثير البصري والاستشعار وتعلم الآلة لإنشاء تجارب ترفيهية واقعية وغامرة، تجعل المستخدمين يشعرون بالمشاركة والاندماج. ويُمكن من خلال تطوير تطبيقات الواقع الافتراضي والمعزز متابعة الألعاب الرياضية والأفلام من منظور ثلاثي الأبعاد، كما يُمكن التقاط جانب من التأثيرات بزاوية 360 درجة، مما سيتيح تجربة الشعور بالحدث الحقيقي والحي، ويُضفي الكثير من الجاذبية على التجربة الترفيهية.

استناداً على التقنيات الأساسية للذكاء الاصطناعي؛ ظهر العديد من الأدوات التجارية المُصمّمة خصيصاً لقطاع الصناعة الإعلامية والترفيهية، منها: Scriptbook: أداة قائمة على الذكاء الاصطناعي لتحليل النصوص، وتستخدم للتنبؤ بالنجاح التجاري للسيناريوهات في شباك التذاكر من خلال تحليل شخصيات السيناريو، والموضوعات، ونقاط الحبكة ومقارنتها بأفلام سابقة مماثلة. AIVA: أداة مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتأليف الموسيقى، تعمل الأداة على إنشاء مقطوعات موسيقية أصلية بناءً على تفضيلات المستخدم، وذلك عبر تحليل بيانات المقطوعات المفضلة مثل: النوع، والإيقاع، والحالة المزاجية، ومن ثمّ إنشاء تأليف مقطوعات فريدة يمكن استخدامها في الأفلام والبرامج التلفزيونية وألعاب الفيديو. DeepMotion: أداة رسوم متحركة مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تستخدم خوارزميات تعلم الآلة لمحاكاة الحركة والسلوك البشري، لإنشاء رسوم متحركة ثلاثية الأبعاد واقعية لألعاب الفيديو والأفلام. Ziva Dynamics: أداة برمجية تعمل بالذكاء الاصطناعي، وتستخدم خوارزميات تعلم الآلة أيضاً، لمحاكاة حركة العضلات والجلد، ممّا يُضفي اللمسة الواقعية على النماذج الشخصية ثلاثية الأبعاد في الأفلام وألعاب الفيديو. LyricFind: محرك بحث مدعوم بالذكاء الاصطناعي، يسمح للمستخدمين بالبحث عن كلمات الأغاني باستخدام استعلامات اللغة الطبيعية، حيث يعمل محرك البحث من خلال خوارزميات معالجة اللغة الطبيعية، لفهم استفسارات المستخدم وتقديم نتائج دقيقة وذات صلة.

يظهر مما سبق بأن مجال صناعة الترفيه هو من المجالات الواعدة، التي يُستخدم فيها الذكاء الاصطناعي لتقديم تجارب فريدة ومبتكرة للجمهور، ومع ذلك تواجه هذه الصناعة بعض التحديات التي تظهر في واقع التغيّر السريع للطلب؛ حيث إنّ صناعة الترفيه تُبنى على أذواق الجمهور، ولكي تتكيّف الشركات مع تغيّر الطلب فعليها أن تعمل على تحليل كمّيات هائلة من البيانات لفهم ذوق المستهلكين وسلوكهم، مع الأخذ بالاعتبار الاهتمام بقضايا الخصوصية والأمان، والتوفيق بين العمل على تقديم تجارب مخصصة وبين ضمان حماية البيانات الشخصية من التسريبات والاختراقات. وهناك جانبٌ آخر من السلامة يُعنى بالاهتمام بسلامة وصحة المستهلك من أي ضرر قد ينشأ عن التأثيرات البصرية التي تولّدها تقنيات الذكاء الاصطناعي، لا سيما المتعلقة بالواقع الافتراضي والمعزز. ولكونه مجالاً قائماً على تفاعلات المستخدمين، يُعد مستوى التفاعل أحد أبرز التحديّات التي تواجه قطاع صناعة الترفيه، فهو المعيار الأول الذي يُحدّد نجاح التجربة، ومن هنا يبرز الدور الواعد لتوظيف الذكاء الاصطناعي في فهم التفاعلات اللفظية والمكتوبة للجمهور، وقدرة استخلاص الرؤى منها للاستمرار في التطوير والابتكار والتجديد في صناعة الترفيه.

توصيات

استخدامات الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم

مقال

عرض
كيف سيطور الذكاء الاصطناعي من عملية تصميم المنتجات

إنفوجرافيك

عرض
استخدام الاستماع الاجتماعي في استراتيجيات التسويق للمنشآت

ورشة مسجلة

عرض
دور الخدمات التقنية في رفع أداء صالونات التجميل في المملكة

ورشة مسجلة

عرض